* اليمن في سطور
>
الحضارة اليمنية
الحضارة
اليمنية
الحضارة اليمنية
القديمة (قبل الإسلام):
تطوّر الإنسان اليمني في إطار
الخطوط العامة للتطوّر التاريخي للإنسانية عبر عصورها المختلفة وفي ظلّ
الخصوصيّات اليمنية ومعطيات الواقع المتمثّلة في الموقع الجغرافي الهام
لليمن والظروف الطبيعية والمناخية المتنوّعة والسّيطرة على طرق تجارة
العالم القديم مما أبرز اليمن كأحد مراكز الحضارات الإنسانية القديمة.
وقد بلغت الحضارات اليمنية القديمة درجة كبيرة من الرقي والازدهار جعل
اليونان والرومان يطلقون على موطن تلك الحضارات "العربية السعيدة".
ويبرز التاريخ نشأة كيان سياسي كبير وحضارة راقية منذ القرن العاشر قبل
الميلاد متمثلاً في دولة سبأ وحضارتها. وما تلك الدول التي تذكر معها
سوى تكوينات سياسية كانت تدور في الغالب في فلكها، ترتبط بها حيناً
وتنفصل عنها حيناً آخر، أمثال دولة معين وقتبان وحضرموت وأوسان. وتمثّل
حمير آخر تلك الدول والتي اندمجت آخر الأمر في سبأ لتكوّن دولة واحدة
حمل ملوكها لقب ملوك سبأ وذي ريدان.
وقد ذاعت شهرة سبأ في الآفاق وورد ذكرها في الكتب السماوية. ففي
التوراة وردت قصّة زيارة ملكة سبأ للنبي سليمان عليه السّلام في حوالي
القرن العاشر (ق.م) وهي تحمل هداياها من الطيب واللبان والتوابل والذي
عكس التطوّر الاقتصادي والثّراء المادي الذي وصلت إليه مملكة سبأ في
ذلك العصر. وقد أكّد القرآن الكريم (سورة النّمل: 22،23) تلك الحضارة
وذلك الثّراء على لسان طائر الهدهد: وجئتك من سبأٍ بنبأٍ يقين إني وجدت
امرأة تملكهم وأوتيت من كلّ شيءٍ ولها عرش عظيم كما تدلّنا أقدم النقوش
السبئيّة على أنّ التقدم الحضاري بلغ في تلك الفترة شأناً عظيماً، إذ
استقرّت عاصمة الدّولة السبئية في مأرب وبني السّد الكبير (سد مأرب)
للتحكّم في ري وادي أذنه. كما كشفت الحفريات في منطقة "تمنّع" عاصمة
"قتبان" عن شبكة كاملة من السدود تتصل بها قنوات وصهاريج لتوفير مياه
الري لرقعة واسعة من البلاد، وهو ما يؤكد تكوّر العلوم والفنون
المعمارية. ويستدل من نقش صرواح الكبير أنّ المكرب السبئي ( كرب آل وتر
بن ذمار علي ) تمكّن في القرن الرابع (ق.م) من إقامة دولة مركزية انطوى
تحت لوائها كلّ اليمن تقريباً.
وقرب نهاية القرن الأول ( ق.م) انطوت مملكة معين في مملكة سبأ ومن
بعدها مملكة قتبان (50 - 400 ق.م) وأخيراً حضرموت التي استمرّت من 450
(ق.م) وحتّى القرن الثاني الميلادي. ولم يأت القرن الثالث الميلادي
إلاّ وقد وحّد الحميريون السبئيون جنوب الجزيرة العربية في دولة قويّة
هي أكبر وحدة سياسية أنشئوها. وقد اندفعوا بعد ذلك شمالاً وشرقاً، حسب
ما يذكره النّقش الذي عثر عليه في عبدان المدوّن بأخبار حملتهم
العسكرية في منتصف القرن الرابع الميلادي، وبلغوا مناطق اليمامة
والبحرين وشرق الجزيرة العربية ومناطق الأزد في عمان وقبائل معد ونزار
وغسّان.
وقد تولّى الحكم في مطلع القرن الخامس الميلادي أبو كرب بن أسعد بن
الملك كرب يوهامن الذي اشتهر بـ"أسعد الكامل" لسعة نفوذ دولة حمير في
عهده حيث أصبح ملكاً لسبأ وذي ريدان وحضرموت ويمان وعربهم طودا وتهامة.
غير أنّ هذه المملكة لم تلبث أن تعرّضت لمتاعب جمّة، أبرزها ركود
النّشاط التجاري نتيجة اكتشاف الرومان طرق التّجارة البحرية التي نافست
طرق القوافل البرية. كما ظهر الصّراع السّياسي والديني بين القوى
العظمى في ذلك العصر "الرومان والفرس" وأدى الصّراع الديني إلى الفرقة
الداخلية بين أتباع الديانتين اليهودية والمسيحية. وأخيراً، ترتّب على
انهيار سد مأرب عام (575م) خراب أراضي الرّي اليانعة وسدّد ضربة
لازدهار البلاد.
لأعلى
النظام الديني:
صبغت الحياة الوثنية كافّة مجالات حياة اليمانيين قبل الإسلام
إذ كانوا يعتقدون أنّه لا بدّ من حماية الآلهة لتوفيق كلّ حي ونجاح كلّ
عمل. وقد كان للقبائل والأسر والجماعات الزراعية والتجارية بل وللدولة
آلهة تحميها، تقدّم لها القربان وتقام احتفالات لاسترضائها. وانتشرت
الصلوات انتشاراً واسعاً استجداءً لحماية الآلهة حتّى يتحقق الخصب
للأرض والرواج للتجارة والخلاص من الفقر والمرض. كما كانت المعابد
والقنوات والقوانين ومراسم الدّولة ونصاب القبور توضع كلّها في رعاية
الآلهة. وقد وجد في القبور حليّ وكؤوس وأختام وأشياء تشير إلى الإيمان
بالحياة الأخرى.
فالحياة الدينية لدى اليمنيين قبل دخول اليهودية والنصرانية والديانة
المجوسيّة تميّزت رغم وثنيّتها بالاستقرار واستقلالها في
نطاق بيئتها التي تختلف عن أحوال العرب
البدو في الشّمال اختلافاً كبيراً. إلاّ أنّ هذا الاستقرار لم يدم
طويلاً نتيجة الصّراع السّياسي الديني بين معتنقي تلك الدّيانات من
اليمنيين وبين الدول الداعمة لتلك الصّراعات (الروم والفرس) إلى أن
انتشر الدّين الإسلامي وانضوى اليمنيون تحت لوائه ملبّين ومتّحدين.
النّظام
الاقتصادي:
قامت الحياة الاقتصاديّة لليمن في التاريخ القديم على التجارة
والزراعة حيث مثّلت التجارة الدولية العمود الأوّل في الاقتصاد. وكانت
العطور العربية التي اشتهرت في أنحاء العالم القديم تصدّر بحراً أو
براً على القوافل المتّجهة إلى أرض الرافدين وفلسطين. وقد أتاحت
القواعد التجارية التي أقامها السبئيون على سواحل اليمن والصومال
احتكار تجارة الذّهب والبخور والمر وأخشاب الزينة التي تصدّرها تلك
المناطق للشّمال. كما أنّ الزراعة وفّرت مصدراً رئيسياً للمنتجات
الغذائية، فزرع اليمنيون البرّ والذرة والشعير وسائر أنواع الحبوب
والبقوليّات فضلاً عن زراعة الأعناب واللوز والنخيل والعديد من الثّمار
والفواكه. ويدلّ بناء السدود والبرك وقنوات الرّي واستغلال الينابيع في
الجبال والسّهول وإقامة المدرّجات الزراعية على الشّعاب والسفوح
الجبلية على التقدّم الزراعي في يمن الحضارة. كما أوجد اليمنيون الدولة
التي ترعى المصالح العامة والخاصة وتنظّم العلاقات بين فئات المجتمع
المختلفة والذي استدعى قيامها فرض ضرائب على الصّفقات التجارية وعقار
الأرض وضرائب خاصة لسداد النّفقات العسكرية.
لأعلى
اليمن في صدر
الإسلام:
كانت استجابة اليمنيين للدعوة الإسلامية استجابة طبيعية ورغبة
روحيّة وماديّة علت على كافة الرغبات. وتسابقت القبائل في إرسال وفودها
لتصبح بإسلامها جزءاً من الدولة الإسلامية. وكان الرسول صلى الله عليه
وسلم يحرص على أن يولّي كل شريف قوم على قومه، فعيّن فروة بن مسيك
أميراً على مذحج كلّها. كما عيّن باذان الفارسي أميراً على جميع مخاليف
اليمن رغم أنّها أمارة رمزية لأنّ اليمن لم يكن قد أسلم كلّه بعد، حيث
أراد بهذا التعيين إنهاء حكم الدولة الفارسية على ولاية اليمن وإدخالها
تحت راية الدولة الإسلامية. وفي العام التاسع الهجري قسّم الرّسول صلى
الله عليه وسلم اليمن إلى مخلافين كبيرين: أعلى ويشتمل على نجران وصعدة
والجند وحتّى عدن، وأسفل يضمّ تهامة اليمن من جيزان شمالاً وحتى عدن
جنوباً.
اليمن في عهد
الخلفاء الراشدين:
استمرّت سياسة توحيد اليمن خلال عهد الخلفاء الراشدين وأعيد
تقسيم اليمن إدارياً إلى ثلاثة مخاليف هي الجند وصنعاء وحضرموت. ورغم
تعيين ال على كلّ مخلاف إلاّ أنّ الولاية على اليمن كلّها كانت للوالي
العام والذي كان مقرّه في صنعاء. وقد عَيّن الخليفة أبوبكر الصدّيق
المهاجر بن أبي أميّة والياً عاماً، وفي عهد عمر وعثمان ولّي يعلى بن
أميّة في حين تولى عبيدالله بن العبّاس في عهد علي وكان آخر الولاة
العامين على اليمن في فترة الخلفاء الراشدين.
واندفع اليمنيون في معارك الفتوحات الإسلامية جنوداً وقادة. واختفت
العصبيّة البليّة التي قامت على أساسها الزعامة, ولم تعد القبيلة سوى
وحدة عسكرية لا سياسية وخضع الجميع للدولة الإسلامية التي تأمر فتطاع.
كما ساهم اليمنيون مع غيرهم من القبائل العربية في بناء الدولة
الإسلامية سواء]كانوا جنوداً أو قضاة أو علماء أو إداريين أو ماليين،
أثبتوا جدارتهم في تحمّل المسؤولية وفي الإخلاص للدولة الإسلامية. وبقي
الوضع المالي بالنسبة لليمن كما كان عليه في عهد الرسول صلى الله عليه
وسلم حيث أنّ أرض اليمن عشرية لا خراجية مثلها في ذلك مثل المدينة
المنوّرة.
لأعلى
اليمن في ظل
الدولة الأمويّة 132-40 هـ:
تخلل فترة الحكم الأموي خروج ولاية اليمن عن سيطرة الأمويين
ودانت لسلطة عبدالله بن الزبير الذي بويع بالخلافة في مكّة. وقد عيّن
على اليمن خلال مدّة حكم ابن الزّبير تسعة ولاة في تسع سنين أوّلهم
الضحّاك بن فيروز الديلمي وآخرهم خلاّد بن السائب، واتّصفت الفترة
باضطراب الأحوال نتيجة صراعه مع الدولة الأموية.
اليمن في ظل
الدولة العباسية:
أخذت أوضاع اليمن السياسية أحوالاً مختلفة في ظل الدولة
العباسية رغم أنّها لم تكن أفضل حالاً مقارنةً بما كانت عليه في ظل
الدولة الأموية من حيث ممارسة الولاة لسلطتهم وجورهم. ومثل متابعة
الدعوة الأباضية ومحاربتها ووأدها أينما وجدت غاية وهدف الولاة لاختلاف
عقيدتها السياسية عن عقيدة الدولة العباسية. وبدأ الولاة العباسيون
يردون إلى اليمن تابعاً وكأنّ العباسيين قد اقتدوا بالأمويين في
تعيين الولاة لمدة قصيرة ففي الفترة ما بين 203=132هـ تمّ تعيين 34
والياً على اليمن مما أثّر سلباً على إدارة البلاد، فلا نجد أثراً
واضحاً لجهود الولاة في النشاط الاقتصادي والمشاريع العمرانية إلاّ
بشكل محدود كجهود الوالي محمد خالد بن برمك الذي قام بإخراج الغيل
الأسود (الغيل البرمكي) عام 184هـ والذي كان يغذي مدينة صنعاء بالمياه
حتّى عام 1390هـ عندما جفّت ينابيعه. كما ظهرت الجهود لبعض الولاة في
استكمال بناء الجامع الكبير بصنعاء وإصلاح بعض المساجد والمدارس
والسّبل.
غير أنّ قسوة بعض الولاة وممارستهم للظلم والجور قد طغى على حكم اليمن،
ففي عام 209هـ عين الخليفة المأمون إسحاق بن العبّاس والياً على صنعاء
اليمن ومخاليفها وكان متعسّفاً ومتعصّباً لنسبه القرشي. وقد مهّدت مثل
تلك التصرّفات لاحتضان اليمنيين للدعوات الشيعية (الفاطميّة، الزيديّة)
ولبروز الزّعامات اليمنية التقليدية. فظهر على سطح الأحداث السّياسية
سلاطين يقودون العشائر اليمنيّة المعروفة، وقامت الإمارات والدويلات
وهو ما أفقد العباسيين السيطرة الكاملة على اليمن واضطروا إلى تأسيس
أوّل إمارة يمنيّة فتيّة هي إمارة آل زياد وعاصمتها مدينة زبيد للسيطرة
على تهامة اليمن والجبال المجاورة لها.
وهكذا انفتح الباب على مصراعيه لظهور الكيانات العديدة في المناطق
الجبلية من اليمن وتجزّأت إمارة آل زياد إلى عدد من الإمارات الجبلية
الصغيرة بعد ضعفهم وسيطرت مواليهم آل نجاح على الإمارة. ورغم نشأة تلك
الكيانات السّياسية الخاصة إلاّ أنّها حافظت على بعض الارتباط الاسمي
بالخلافة العبّاسيّة حتّى قيام الدولة الصليحيّة عام 349هـ حين تمّ بسط
سيادة الدولة الصليحيّة على كلّ اليمن. وبعد مقتل الملك علي الصليحي
عام 459هـ ظهرت الإمارات والدويلات من جديد وتخلخل ولاؤها الديني
والسياسي، فمنها من ظلّ ولاؤه للدعوة الإسماعيليّة ومنها من حافظ على
ولائه السّياسي للدولة العبّاسية ولو اسمياً. في حين استمرّت الدعوة
الزيدية في التوسّع في المناطق الشّمالية والغربية. ورغم التّفتت
السّياسي لوحدة اليمن الطبيعيّة ابتداءً من القرنيين الثالث والراّبع
وحتّى القرن الرابع عشر الهجري، فقد تحقق لليمن وحدته السياسية لكامل
ترابه خلال ثلاث فترات هي:
أولاً:- فترة حكم الملك الكامل علي بن محمد الصليحي:
استطاع الملك الكامل علي بن محمد الصليحي وبالدهاء السياسي أن يوحّد
اليمن وعمان والحجاز تحت حكمه. وكان الملك الكامل عالماً ومجتهداً في
كل المذاهب الفقهيّة فضلاً عن طموحه السياسي الذي جعله يرتبط بالدولة
الفاطميّة في مصر لتكون دعماً وعوناً له. ورغم أنّ مدة حكمه لليمن لم
تتجاوز العشرين عاماً (459-439هـ) إلاّ أنّ الدولة الصليحيّة التي
أسسها استمرّت على درجات مختلفة من القوّة والضّعف حتّى وفاة السيّدة
أروى بنت أحمد الصليحي عام 532هـ.
ثانياً:- فترة الدولة الرسولية:
عاشت اليمن فترة رخاء واستقرار نسبي أثناء حكم الدولة الرسولية
(628-858هـ) والتي كانت عاصمتها الثقافيّة مدينة زبيد والسياسية مدينة
تعز. واشتهرت الدولة بنشر الثقافة والعلوم، بل وفاقت غيرها من الدول
خاصة في مجال الفلك والزراعة وعلوم العربية والتصوّف وغيرها من العلوم
والفنون والآداب. وامتدّ نفوذ الدّولة الرسولية السياسي على المنطقة
الساحلية كاملة من عمان وحتّى الحجاز كما امتدّت سلطتها على الجبال
وخضع الأئمة لسلطانهم ولعطاياهم وهباتهم.
ثالثا:- الدولة القاسميّة المتوكليّة:
سيطرت الدولة القاسميّة على كامل التّراب اليمني طوال مائة عام (
1045-1145هـ)، بعدها بدأ الضّعف يدبّ في أوصال تلك الدولة وعاد التمزّق
للوحدة السياسية اليمنية حين انفصلت عدن ولحج وأبين عن الدولة
القاسميّة في عام 1145هـ وحتّى تحقيق الوحدة اليمنية المظفرة في 27 من
شوال 1410هـ الموافق 22 من مايو 1990م.
لأعلى
اليمن في العصر
الحديث (1904-1962م):
بويع الإمام يحيى حميد الدين بالإمامة عام 1904. وبعد تولّيه
الحكم مباشرة واصل قتاله للأتراك حيث استطاع في العام التالي الاستيلاء
على كافّة المناطق حتّى صنعاء ما عدا المناطق التي اتّفق على بقاء
الأتراك فيها وهي تهامة وعسير وتعز وحراز. واستمرّ الصراع والتفاوض
حتّى عام 1911م حين تمّ عقد الصّلح المعروف بصلح دعان والذي اعترفت
الدولة
العثمانيّة فيه للإمام يحيى بالسّلطة
المحلّيّة وبأحقيته بأمر الوصايا والأوقاف. ونتيجة الأحداث العالمية
ونشوب الحرب العالمية الأولى وازدياد نفوذ الإمام يحيى وسيطرته على
بقيّة مناطق اليمن بما في ذلك تهامة وتعز والمناطق الشرقيّة مأرب
والبيضاء لم يأت عام 1924 إلاّ وقد أصبحت المحافظات الشّمالية والغربية
تحت سيطرة الإمام يحيى باستثناء منطقة عسير. وأخيراً جاءت اتفاقية
لوزان في 24/7/1923 لتركّد حق الإمام يحيى في إدارة ممتلكات الدولة
العثمانية في اليمن، ووضعت أوّل خارطة لولاية اليمن والحديدة وتعز،
والتي يحدّها غرباً البحر الأحمر وشمالاً الحجاز وشمال شرق نجد الذي
يتبع ولاية البصرة وجنوباً المحميّات التي كانت محل نزاع بين الأتراك
والبريطانيين ثمّ الإمام يحيى والبريطانيين.
منطقة عسير:
تعاون محمّد بن علي الإدريسي مع كل من بريطانيا وإيطاليا في مدّ
نفوذه على منطقة عسير وخاصّة بعد صلح دعان بين الإمام يحيى والأتراك
العثمانيين في عام 1911. وسعى الإدريسي للتوسّع وسيطر على منطقة تهامة
بما في ذلك الحديدة التي احتلّتها بريطانيا بحجّة بقاء بعض الحاميات
التركية فيها ثم قامت بتسليمها إلى الإدريسي عام 1919. وفي عام 1921
تمكّنت قوات الإمام يحيى من استعادة السيطرة على منطقة تهامة واتّجهت
شمالاً للسيطرة على منطقة عسير وحاصرت مدينة صبيا وجيزان وهو ما أشعل
الحرب اليمينية السعودية في عام 1934 وأدى إلى سيطرة السّعودية على
منطقة عسير وجيزان وتهامة اليمن بما في ذلك مدينة الحديدة. واستجابة
للوساطات العربية ولحقن الدّماء وافق الجانبان على وقف القتال والدخول
في مفاوضات أثمرت عن معاهدة الطائف لعام 1934 التي اشتملت على 23 مادة
تضمّنت إنهاء حالة الحرب وتحديد خط الحدود الفاصلة بين البلدين ومنع
استعمال أي طرف بلاده قاعدة ومركزاً لأي عمل عدائي ض الآخر. كما أكّدت
المعاهدة على أواصر الأخوّة والجوار بين البلدين ونصّت على امتناع
الطرفين من اللجوء إلى القوّة لحل المشكلات واعتماد الوسائل الوديّة
وفي حال تذّر الحل يتعهدن باللجوء إلى التحكيم.
لأعلى
المحافظات
الجنوبية والشرقية (المحميات):
احتلّت بريطانيا عدن في 19 يناير 1839 واتّبعت أساليب مختلفة
للسيطرة على الإمارات والمشيخات في المناطق الجنوبية
(عدن،لحج،أبين،شبوة،حضرموت،المهرة). وقد ابتكرت ما يسمّى بمعاهدة
السّلام والصّداقة والتعاون منذ الشهور الأولى لاستيلائها على عدن ثم
طوّرتها بتوقيعها اتفاقيّات الحماية والتي تعني الهيمنة الكاملة على
تلك السلطنات والإمارات. وجاءت المرحلة الثالثة بمعاهدة الاستشارة
والتي تعني إحكام قبضة بريطانيا على مناطق الجنوب. وقد تتابع توقيع تلك
المعاهدات مع السلاطين والمشائخ وكان آخرها مع السلطان علي عبدالكريم
فضل سلطان لح في عام 1952. وأخيراً، تبع ذلك إنشاء اتحاد فيدرالي
للجنوب العربي في فبراير 1959 بدءاً بالست الإمارات الغربية ثم إمارات
المنطقة الشرقية ليصبح الاتحاد مكوّناً من ثمان عشرة إمارة ومشيخة.
وبقيت عدن خارج الاتحاد حتى 25 سبتمبر 1962 حين تمّ التصويت على
انضمامها للاتحاد.
وقد واجهت بريطانيا طوال تلك الفترة مقامةً شديدة من أبناء المناطق
الجنوبية والشرقية ومن الدولة العثمانية ثم من الدولة اليمنية. وتفاوتت
هذه المقاومة قوّة وضعفاً، فقد حاول الإمام يحيى الزّحف على مناطق
الشعيب والاجعود القطيب بعد الحرب العالمية الأولى، لكنّه لم يستطع أن
يبقي السيطرة اليمينية عليها نظراً لتفوّق القوات البريطانية وضربها
لعدد من المناطق والمدن اليمنية بالطائرات. وبقي اليمن يطالب بالجنوب
رغم الصّعاب التي واجهته والتي اضطرته إلى توقيع معاهدة الصّداقة
والتعاون مع البريطانيين في 11 فبراير 1934 والمتضمّنة اعتراف بريطانيا
باستقلال اليمن وبالإمام يحيى ملكاً عليه، وبقاء الحال بالنسبة للمناطق
الخاضعة للحماية البريطانية على ما هو عليه إلى أن تجرى مفاوضات
ودّيّة. وقد حددت فترة المعاهدة بأربعين عاماً.
وحين سعت بريطانيا إلى إنشاء اتحاد الجنوب العربي والذي اعتبرته
الحكومة اليمنية خرقاً للمعاهدة باعتباره يؤدي إلى تغيير الوضع القائم
في المنطقة ويعكس محاولة بريطانيا تعزيز مركزها الاستعمار في الجنوب
اليمني من خلال اصطناع كيا جديد، طالبت اليمن باستعادة الجنوب إلى
الوطن الأم. وقد ردّت القوات البريطانية بقصف بعض المناطق الآهلة
بالسّكان (حريب والبيضاء وقعطبة وغيرها) وهو ما أثار
الرّأي العام المحلي والعربي والدولي.
كما استمرّ سعي بريطانيا لإنشاء اتحاد الجنوب العربي وخاصة منذ العام
1962 رغم قراري الأمم المتحدة الصادرين بهذا الشأن برقم (1514)"15" في
14 ديسمبر 1960 وبرقم (1954)"16" في 27 نوفمبر 1961 واللذين يقضيان
بأنها الاستعمار الأجنبي ومنح الاستقلال إلى كافّة الأقطار والشعوب غير
المستقلّة في أي مكان من العالم وبإنهاء حالات الطوارئ وإخلاء سبيل
كافّة الموقوفين وإجراء انتخابات فيها على أساس حق الاقتراع لجميع
البالغين كخطوة نحو الاستقلال التام. إلاّ أنّ بريطانيا قد ترجمت هذين
القرارين بطريقتها الخاصّة، وواصلت دعمها لإنشاء دولة الجنوب العربية
وبالتالي فصل المنطقة الجنوبية الشرقية عن الوطن الأم.